أبو الطيب المتنبيأبو الطيب أحمد المتنبي،
شاعر حكيم، وأحد مفاخر
الأدب العربي،
له الأمثال السائرة والحكم البالغة المعاني المبتكرة. في شعره اعتزاز
بالعروبة، وتشاؤم وافتخار بنفسه. و تدور معظم قصائده حول مدح الملوك. ترك
تراثاً عظيماً من الشعر، يضم 326 قصيدة، تمثل عنواناً لسيرة حياته، صور
فيها الحياة في القرن الرابع الهجري أوضح تصوير. قال الشعر صبياً. فنظم
أول اشعاره و عمره 9 سنوات . اشتهر بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته
الشعرية باكراً.
و
أبو الطيب كنيته أما لقبه فهو
المتنبي واسمه
أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي ولد سنة 303 هـ الموافق 915 م بـ
الكوفة في محلة تسمي
كندة (وهم ملوك يمنيون) التي انتسب إليها وقضى طفولته فيها (304-308 هـ الموافق 916-920م). قتله
فاتك بن أبي جهل الأسدي غربي
بغداد سنة 354 هـ الموافق 965 م.
نشأته و تعليمهنشأ بـ
الشامثم تنقل في البادية السورية يطلب الأدب وعلم العربية. ثم عاد إلى الكوفة
حيث أخذ يدرس بعناية الشعر العربي، وبخاصة شعر أبي نواس وابن الرومي ومسلم
بن الوليد وابن المعتز. وعني على الأخص بدراسة شعر أبي تمام وتلميذه
البحتري. انتقل إلى الكوفة والتحق بكتاب (309-316 هـ الموافق 921-928م)
يتعلم فيه أولاد أشراف الكوفة دروس العلوية شعراً ولغة وإعراباً. لم يستقر
أبو الطيب في الكوفة، فقد اتجه إلى الشام ليعمق تجربته في الحياة وليصبغ
شِعره بلونها، أدرك بما يتملك من طاقات وقابليات ذهنية أن مواجهة الحياة
تزيد من تجاربه ومعارفه، فرحل إلى بغداد برفقة والده، وهو في الرابعة عشرة
من عمره، قبل أن يتصلب عوده، وفيها تعرف على الوسط الأدبي، وحضر بعض حلقات
اللغة والأدب، ثم احترف الشعر ومدح رجال الدولة . ورحل بعدها برفقة والده
إلى بادية الشام يلتقي القبائل والأمراء هناك، يتصل بهم و يمدحهم،
فتقاذفته دمشق وطرابلس واللاذقية وحمص وحلب . دخل البادية فخالط الأعراب،
وتنقل فيها يطلب الأدب واللغة العربية وأيام الناس، وفي بادية الشام
والبلاد السورية التقي الحكام والأمراء والوزراء والوجهاء ، اتصل بهم
ومدحهم، وتنقل بين مدن الشام يمدح الأمراء والوزراء وشيوخ القبائل
والأدباء .
المتنبي و سيف الدولة الحمدانيظل باحثاً عن أرضه وفارسه غير مستقر عند أمير ولا في مدينة حتى حط
رحاله في إنطاكية حيث أبو العشائر ابن عم سيف الدولة سنة 336 هـ، واتصل
بسيف الدولة بن حمدان، امير وصاحب
حلب، سنة 337 هـ وكانا في سن متقاربه، فوفد عليه المتنبي وعرض عليه أن يمدحه
بشعره على ألا يقف بين يديه لينشد قصيدته كما كان يفعل الشعراء فأجاز له
سيف الدولة أن يفعل هذا واصبح المتنبي من شعراء بلاط سيف الدولة في
حلب،
وأجازه سيف الدولة على قصائده بالجوائز الكثيرة وقربه إليه فكان من أخلص
خلصائه وكان بينهما مودة واحترام، وخاض معه المعارك ضد الروم، وتعد
سيفياته أصفى شعره. غير أن المتنبي حافظ على عادته في إفراد الجزء الأكبر
من قصيدته لنفسه وتقديمه إياها على ممدوحة، فكان أن حدثت بينه وبين سيف
الدولة جفوة وسعها كارهوه وكانوا كثراً في بلاط سيف الدولة .
ازداد أبو الطيب اندفاعاً وكبرياء واستطاع في حضرة سيف الدولة أن يلتقط
أنفاسه، وظن أنه وصل إلى شاطئه الأخضر، وعاش مكرماً مميزاً عن غيره من
الشعراء في حلب . وهو لا يرى إلا أنه نال بعض حقه، ومن حوله يظن أنه حصل
على أكثر من حقه. وظل يحس بالظمأ إلى الحياة، إلى المجد الذي لا يستطيع هو
نفسه أن يتصور حدوده، إلى أنه مطمئن إلى إمارة
حلبالعربية الذي يعيش في ظلها وإلى أمير عربي يشاركه طموحه وإحساسه. وسيف
الدولة يحس بطموحه العظيم، وقد ألف هذا الطموح وهذا الكبرياء منذ أن طلب
منه أن يلقي شعره قاعداً وكان الشعراء يلقون أشعارهم واقفين بين يدي
الأمير، واحتمل أيضاً هذا التمجيد لنفسه ووضعها أحياناً بصف الممدوح إن لم
يرفعها عليه. ولربما احتمل على مضض تصرفاته العفوية، إذ لم يكن يحس مداراة
مجالس الملوك والأمراء، فكانت طبيعته على سجيتها في كثير من الأحيان.
وفي المواقف القليلة التي كان المتنبي مضطرا لمراعاة الجو المحيط به، فقد
كان يتطرق إلى مدح آباء سيف الدولة في عدد من القصائد، ومنها السالفة
الذكر، لكن ذلك لم يكن إعجابا بالأيام الخوالي وإنما وسيلة للوصول إلى
ممدوحه، إذ لا يمكن فصل الفروع عن جذع الشجرة وأصولها، كقوله:
خيبة الأمل وجرح الكبرياءأحس الشاعر بأن صديقه بدأ يتغير عليه، وكانت الهمسات تنقل إليه عن سيف
الدولة بأنه غير راض، وعنه إلى سيف الدولة بأشياء لا ترضي الأمير. وبدأت
المسافة تتسع بين الشاعر والأمير، ولربما كان هذا الاتساع مصطنعاً إلا أنه
اتخذ صورة في ذهن كل منهما. وظهرت منه مواقف حادة مع حاشية الأمير، وأخذت
الشكوى تصل إلى سيف الدولة منه حتى بدأ يشعر بأن فردوسه الذي لاح له بريقه
عند سيف الدولة لم يحقق السعادة التي نشدها. وأصابته خيبة الأمل لاعتداء
ابن خالويهعليه بحضور سيف الدولة حيث رمى دواة الحبر على المتنبي في بلاط سيف الدولة
، فلم ينتصف له سيف الدولة ، ولم يثأر له الأمير، وأحس بجرح لكرامته، لم
يستطع أن يحتمل، فعزم على مغادرته، ولم يستطع أن يجرح كبرياءه بتراجعه،
وإنما أراد أن يمضي بعزمه. فكانت مواقف العتاب الصريح والفراق، وكان آخر
ما أنشده إياه ميميته في سنة 345 هـ ومنها: (
لا تطلبن كريماً بعد رؤيته).
بعد تسع سنوات ونيف في بلاط سيف الدولة جفاه الامير وزادت جفوته له بفضل
كارهي المتنبي ولأسباب غير معروفة قال البعض أنها تتعلق بحب المتنبي
المزعوم لخولة شقيقة سيف الدولة التي رثاها المتنبي في قصيدة ذكر فيها حسن
مبسمها ، وكان هذا مما لا يليق عند رثاء بنات الملوك . إنكسرت العلاقة
الوثيقة التي كانت تربط سيف الدولة بالمتنبي .
فارق أبو الطيب سيف الدولة وهو غير كاره له، وإنما كره الجو الذي ملأه
حساده ومنافسوه من حاشية الأمير. فأوغروا قلب الأمير، فجعل الشاعر يحس بأن
هوة بينه وبين صديقة يملؤها الحسد والكيد، وجعله يشعر بأنه لو أقام هنا
فلربما تعرض للموت أو تعرضت كبرياؤه للضيم. فغادر حلب ، وهو يكن لأميرها
الحب، لذا كان قد عاتبه وبقي يذكره بالعتاب، ولم يقف منه موقف الساخط
المعادي، وبقيت الصلة بينهما بالرسائل التي تبادلاها حين عاد أبو الطيب
إلى الكوفة وبعد ترحاله في بلاد عديده بقي سيف الدولة في خاطر ووجدان
المتنبي .
المتنبي و كافور الإخشيديالشخص الذي تلا سيف الدولة الحمداني أهمية في سيرة المتنبي هو
كافور الإخشيدي.
فقد فارق أبو الطيب حلباً إلى مدن الشام ومصر وكأنه يضع خطة لفراقها ويعقد
مجلساً يقابل سيف الدولة. من هنا كانت فكرة الولاية أملا في رأسه ظل يقوي.
دفع به للتوجه إلى مصر حيث (كافور الإخشيدي) . و كان مبعث ذهاب المتنبي
إليه على كرهه له لأنه طمع في ولاية يوليها إياه. و لم يكن مديح المتنبي
لكافور صافياً، بل بطنه بالهجاء و الحنين إلى سيف الدولة الحمداني في حلب
، فكان مطلع أول قصيدته مدح بها كافور: